"أبو بالين"...فاشل
إن أضخم التحديات التي تواجه هولندا-وصيفة بطلة العالم-في المونديال المرتقب، هو أن المعسكر الهولندي يضج بأقدامٍ تساوي وزنها ذهبا، لكنه أيضا يرزح تحت رؤوسٍ تكاد تتفرقع لهول تضخمها.
هناك أولاً رأس أريان روبين الأصلع، والذي ينسى في أغلب الأحيان وجود 10 لاعبين آخرين معه في الفريق، وشريكه في الصلع ويسلي شنايدر، والذي يتعمّد-بحسب تصريحات المراقبين-لبس قميصا بلا أكمامٍ في التدريبات ليستعرض عضلاته ووشومه! كما أن صراع الطواويس مشتعلٌ في خط الهجوم بين روبين فان بيرسي وكلاوس يان هونتيلار، واللذان لن يرضى أيٌ منهما أن يتبوأ الدكة الاحتياطية من أجل مصلحة المجموعة.
يصرّ ديفيد وينر، الكاتب والصحفي الإنجليزي، في كتابه "البرتقالة الرائعة"، بأن هذا الغرور الذي وقف حائلا دون تحقيق هولندا للألقاب ليس متعلقا بلاعبٍ معين، فاصبع الاتهام لا يجب أن يطال روبين لاستئثاره بالكرة، أو هونتيلار لرفضه للعب بديلا، فما يمارسونه في الملعب مطبوعٌ في حمضهم النووي، ومتجذّرٌ في دمائهم. إن العقلية الهولندية تقدّس الفردية، وترفض الرضوخ للجماعة أو السلطة، ولذلك تجد شعورا بالكبر والأنانية بين أفراد الفريق، وسعيا حثيثا لأجل المجد الذاتي، مما يجعل قيادة المنتخب الهولندي أشبه بالوقوف أمام فصلٍ يؤمن كل طالبٍ فيه بأنه يفوقك علما ومعرفة!
بل يؤكد وينر في كتابه على أن الكرة الشاملة التي أبدعها الهولنديون لم تكن يوما بهدف اللعب كفريقٍ متكامل؛ إن الغرض منها هو ألا يهيمن لاعبٌ واحدٌ على الآخرين، فيكون بذلك لكل اسمٍ في التشكيلة الفرصة لإظهار مستواه الفردي، وتعزيز غروره الشخصي.
بإمكاننا أن نوظّف هذا التحليل الدقيق لنجد عذرا "استباقيا" لأي اخفاقٍ هولنديٍ في البطولات الكبرى، وذلك على اعتبار أن الأنانية والفردية تحتل ألباب الشعب الهولندي بأسره منذ القرون الوسطى، وأن المشكلة لا يمكن أن تختفي بين ليلةٍ وضحاها، فليست هناك عصاً سحريةً ستحول روبين وإخوته إلى "ألمانا" منضبطين متجانسين. ولكن لا بد-على الأقل-من أن ننبه أولئك الذين قرروا اللعب بهذه النار البرتقالية المتوهجة.
عندما تعاقد مانشستر يونايتد مع لويس فان جال، المدير الفني الحالي للمنتخب الهولندي، على أن يتولى تدريب الفريق عقب انتهاء منافسات كأس العالم، سادت النادي ومحبيه أجواءٌ من الارتياح، فالرجل لن يأتي إلى أولد ترافورد لاستعادة أمجاد السير أليكس فيرجسون فحسب، ولكنه سيأتي محمّلا بأمجاده الخاصة.
ما غفل عنه مشجعو مانشستر يونايتد في فورة تفاؤلهم هو أنهم مدّوا أياديهم سهوا في عش الدبابير. لربما سلم النادي الأحمر من لسعات فان بيرسي وغيره من الدبابير الصغيرة، ولكنهم باتوا الآن يحملون في قبضتهم الملكة العملاقة، وعليهم أن يتحضّروا لصنفٍ جديدٍ من الألم.
إن المتابع لأخبار مانشستر يونايتد في الآونة الأخيرة، سيُصدم بحضورٍ طاغٍ لفان جال بقراراته وخياراته رغم أنه لم يتسلم دفة القيادة في النادي. إن الرجل لم يتوجه بعد إلى معسكره الإعدادي مع المنتخب الهولندي، ولكننا نجده قد بدأ بالفعل في التحضّر للصفقات مع ناديه الإنجليزي، والمفاضلة بين اللاعبين، وطرح الاقتراحات، وقطع الطريق على بعض الأسماء التي كانت الإدارة تطمع في انتدابها.
إنّ فان جال قد يحضر بجسده في البرازيل، وقد يحلف الأيمان المغلظة أنه قادمٌ للمنافسة على اللقب الذي استعصى على بلاده في النسخة الماضية، ولكن قلبه ينبض في مانشستر، وعقله يدور في فلك النجاحات التي يود أن يحققها. إن كان هناك 11 رجلا في الملعب ليتقاسموا الأنانية ويتشاركوا الشعور بالفردية، ويتحملوا أجزاءً مختلفةً من وزر ملاحقة المجد الشخصي، فإن فان جال-كقائد المنتخب ومدربه-فرّط في أمانةٍ عظيمةٍ خُصَ بها وحده فلم يماثلها فيه أحد.
يقول المثل الخليجي الشهير "أبو بالين...كذّاب"، أي أن من يدّعي الجمع بين اهتمامين وهدفين في نفس الوقت هو إنما أفاكٌ أشر، ولكن قد يكون الظهور بمظهر الكاذب المخادع أقل مصائب فان جال بانتهاء موسم 2014-2015.