من أخبار الحمقى والمغفلين

يبدو بأن ابن الجوزي قد استعجل حينما ألّف "أخبار الحمقى والمغفلين" بالقرن السادس الهجري، فليته قد انتظر طرد الحكم الإسباني ميجيل آيزا جوميز لكريستيانو رونالدو من مباراة أتليتيك بلباو ليضيف حكايةً ثمينةً إلى مصنّفه.

كشفت ماركا الإسبانية وجود تضاربٍ في أقوال جوميز حول قراره المثير للجدل، فعندما اجتمع مع زملائه من أبناء المهنة، أوضح بأن الطرد المباشر كان لاعتداء رونالدو على كارلوس جوربيجي بشد الشعر على طريقة المسلسلات الخليجية.

ولكن سرعان ما أدرك جوميز بأن تبريره سيتسبب في إيقاع عقوبة الإيقاف لمدة 3 مباريات على اللاعب البرتغالي، وهو أمرٌ غير مقبولٍ في أعراف النجومية التي تقتضي من الكل وضع حلة المحاماة لتبرئة ساحة الأساطير وتنقية سيرهم من الشكوك.
 
أدار جوميز ظهره لصوت ضميره، فتبدلّت شهادته حينما وقف بين يدي الاتحاد الإسباني ليصبح طرد رونالدو مرتبطا بدفعه لآندير ايتوراسبي، وهي الحادثة الأقل عدوانيةً وعنفا والتي تلت مناوشته مع جوربيجي بثوانٍ معدودة.

اعتقد الحكم بأنه رد بذلك دين النجوم المُعلّق في رقبته، فهو لم يقدر أن يقدم فروض الطاعة بالملعب حين بدا الخطأ واضحا جليا لا جدال فيه، بل كان ليتعرض للعقوبة لو تغاضى عن اعتداء رونالدو، ولكنه يقدر أن يتدخل لاحقا ليخفف عقوبته، فيؤدي بذلك ولو جزءا يسيرا من مهمته في تصفية سماء الكبار من الكدر.

ولكن كان للأقدار كلمتها الساخرة كما تفعل دائما.

فعملا بالمثل العربي القائل "قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي على الحجر"، ألقى ريال مدريد بقربان الاعتذار بسلة المهملات معلنا إصراره على الاستئناف ضد جوميز بحجة ازدواجية معاييره في اتخاذ القرارات، فهكذا هم العمالقة؛ لا يقبلون بالهدايا البخسة تحت عنوان "إنها نيته التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار".

ولم ينقلب السحر على الساحر برد ريال مدريد للعطية فحسب، بل خابت مساعيه في بلاط اللجنة الانضباطية لتقع على رونالدو عقوبة الإيقاف لمدة 3 مباريات، ويخرج جوميز من المولد الانبطاحي بلا حمص، بل وغاصا بلقمة الفضيحة.

بقدر ما تدغدغ ساديتنا معاناة جوميز في متاهته، علينا أن نتذكر بأنه واحدٌ من مئات الحمقى الذين يصفدون شريانهم طوعا لإرواء عطش العظماء. وكما فعل مدريد بهذا الحكم المسكين، ربما لا يلقون نظير أتعابهم جزاءً ولا شكورا، فهم ليسوا سوى كواكبٍ تدور في فلك الكبار بنجومهم ومدربيهم وإداراتهم وجماهيرهم وطموحاتهم.

لا تتوقع ممن يتربع على القمة أن ينزل عن عرشه ويعفو عن مستضعفٍ تعرّض لما تعرض من الترهيب وغسيل الدماغ،  حتى قرر بغباءٍ وسذاجةٍ أن يضحّي بسمعته وكرامته ومصداقيته لأجل هذا المليك ذو السطوة.

لنحرر الأغبياء من قبضة الأقوياء التي أحكموها على أنفسهم لتعود المساواة والتنافس الشريف، وهذا يأتي بوعيهم بأنهم مجرد بيادقٍ بيد الكبار، فلما تبيّن استحالة رفع العقوبة، لا رونالدو حمد محاولة جوميز لإنقاذه ولا الريال أثنى على تبديله لأقواله!!
 

 

 

 



مباريات

H